ابتلاؤنا بالأمراض

أ.د. سونر دومان

المترجم: براء هاشم

 

فايروس كورونا أصبح حاضراً في يوميات كل الناس. المرض الذي تسبب به هذا الفايروس هو مرض واحد من بين مئات أو حتى آلاف الأمراض في مختلف أنحاء العالم. نسأل الله أن يعافينا من جميع الأسقام.

المؤمن يَعي جيداً أن جسمه وصحّته هما أمانتان ائتمنه الله عليهما، فإذا ما مرض أحدنا سارع بكل ما أوتي من وسائل للحفاظ على بدنه، ويحتاط بكل الاحتياطات اللازمة ليرعى صحته، دون أيّ تهاون.

فهو من جهة يأخذ بالأسباب ويعمل بها ومن جهة أخرى يتوكل على الله تبارك وتعالى.

بغضّ النظر عن الجانب الصحي وكيفية التعامل مع هذا المرض طبّيّاً، سنسعى في هذه المقالة لتسليط الضوء على

الجانب الذي يدلّنا على سبب وجود هذا البلاء، والآثار التي تنتج عنه وما ينبغي تعلمه منه. 

ربّنا تبارك وتعالى خلق هذا الكون وجعله ميدانا للابتلاءات، يبتلي عباده بحياتهم، بأرزاقهم، بأولادهم، بالأمور التي يحبّونها فيسلبها منهم، والأمور التي يستثقلونها فيبتليهم بها. ومن جملة هذه الابتلاءات التي يختبر الله بها عباده هي الصحة والمرض. كل البشر، حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، اختُبِروا بأنواع من البلايا والأمراض.

لا يحبّ أحدٌ منّا أن يُصاب بأي مرض، فإذا ما مرضنا، حاولنا أن نستعيد صحتنا في اللحظة. ولكن، مع كل الاحتياطات والأسباب التي نتخذها للتّداوي لا بدّ لنا من استحضار الحِكَم الباطنة الكامنة في هذه الأمراض.

ونجملها في التالي:

·      أ) أول ما يجب علينا استحضاره وفهمه، هو أننا عبيد من رأسنا إلى فَرقِنا وأنّ الموت لا يفارق فطرتنا.

يغفل الإنسان في كثير من الأحيان عن حقيقته ويظنّ أنّه خالد في هذه الدنبا لما يراه من رغد العيش، ولكن هذه الأمراض والأوبئة تذكّرنا أنّ هذه الدنيا ليست دار قرارٍ وخلود وأننا عاجلاً أو آجلاً راحلون.

·      ب) الأمراض ينبغي أن تكون سبباً في تذكير العبد بحاجته لمولاه، واضطراره للانطراح على بابه تعالى.

العبد الضعيف المريض لا بُدّ له من إصلاح علاقته بالله تعالى لأنه يشعر بشدة حاجته، فإنّ كثيرا من الخلق ينسَونَ خالقهم في وقت الرخاء لعدم شهودهم الحاجة إلا عند الشدائد، فإذا ما مرض أحدهم أو أحد أقربائهم لجؤوا إلى خالقهم.

وبعض الناس يلجؤون إلى الله في الشدائد والبلايا والمِحن، فإذا ما نجّاهم الله تعالى، نسوا العهد الذي بينهم وبين الله وفقدوا صلتهم بالله مرة أخرى، يقول الله تعالى:

(وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ  كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يونس: 12

 

·      ج) في الأثناء التي يعاني المريض من مرضه ويتعب في سبيل تداويه ويشقى، وهو مع ذلك صابرٌ راضٍ بما كتبه الله له، ينبغي أن يستشعر أن هذا الألم وإن كان مُرّاً فإنه سبب عظيم في تكفير الخطايا والذنوب، فإذا ما مرض العبد أو مرض أحد أقربائه وأحبابه وأراد رضا الله تعالى فإنه ينبغي عليه أن لا يتضجر ويتبرم من قضاء الله وقدره ولا يعترض على أمر الله وإرادته.

إن من شأن العبد أن يتعرض للمعاصي والآثام من حيث شعر أو لم يشعر. كل الصعاب والأسقام التي نواجهها تسوقنا إلى محو تلك الخطايا.

وفي هذا الصدد يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه). متفق عليه

·      د) الأمراض والبلايا ترفع مقام العبد عند الله تبارك وتعالى.

كثير من الأنبياء والعلماء والأولياء عبر التاريخ اختبرهم الله تعالى بالمرض ليرفع مقامهم عنده بصبرهم على هذا البلاء. والمثال الذي يجسد لنا هذا الواقع هو سيدنا أيوب عليه السلام، وكذلك سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال كما ينقل لنا ذلك البيان الإلاهي: (وإذا مرضتُ فهو يشفين) الشعراء: 80

·      ه) الأمراض ينبغي أن تكون إنذارا لنا وإيقاظا من غفلتنا.

الأوقات التي يعيشها المرء في رخاء و رغدٍ من العيش تجعل الإنسان في غيبة عن نفسه وتكون حجابا بينه وبين معرفة حقيقة ذاته، أما إذا حلّت المصائب والمحن فإنها تقوم بِهَزّ كيان العبد و إفاقته من نومته وتعيده إلى هويته التي هي العبودية.

·      و) فقدان الصحة يُعرّفنا قيمة النعمة التي كنّا نتمتع بها، وأهمية السلامة في حياتنا.

لن يستطيع العبد أن يقدر حقيقة النعمة إذا ما كانت تلك النعمة ملازمة له، قد اعتادها وألِفَها. أما إذا فقدها فإن يشعر بقيمتها ويقدّرها كما ينبغي. كثير من الناس الأصحّاء لا يُقدّرون المنحة التي يعيشون في ظلّها من الصحة ورغد العيش، لكن بعد ما يتم فقد تلك النعم يشعر الإنسان حينها بقيمة ما فقد.

فبعد ذلك يصبح المرءُ حريصاً على حفاظه على صحته وسلامته كي لا يقع في المرض والوَصَب مرة أُخرى.

·      ز) الأمراض ينبغي أن تفتح لنا باب تفهّم حال المرضى والتعاطف معهم.

الذين لم يُختَبَروا بالأمراض الشديدة لا يعرفون ولا يسألون ولا يُفَتّشون عن حال من ابتُلي  بتلك الأمراض. أما بعد أن يًصاب المرء بنوع من الأسقام الأليمة فإنه سرعانَ ما يتعرّف ويشعر بحال من يمر بتلك الصّعاب. بعد أن ابتُلي بمرض مشابه لتلك الأمراض لا يُتصوّر منه أن يغفل عن حال المرضى وأهل البلاء بعد ذلك، بل إنه على العكس يصبح أكثر قُربا واهتماما بشؤون أهل البلاء والمحن.

·      ز) الأمراض تعلمنا الصبر.

الأزمات التي تمر وتحيط بنا من كلّ جانب لا يتمنّاها أحد، فإن جاءت تمنّى أن تفارقه ويفارقها في أسرع وقت. الذي يريده منّا ربنا تبارك وتعالى هو أن نتحلّى بالصبر والحلم إذا ما واجهتنا الصّعاب وبالشكر إذا ما واجهتنا السرّاء والراحة.

العبد الذي تمضي به الحياة بين مقام الصبر والشكر هو العبد الذي يرضى عنه مولاه تبارك وتعالى.

قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.

أخبر الله تعالى في كتابه أن المصائب والبلايا التي في هذه الدنيا جُعلت اختبارا للعبد وامتحاناً له

قال تعالى: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/ 155-157

 

نسأل الله عز وجل أن يحفظنا من جميع الأسقام، وأن يمنحنا شفاء عاجلا لأمراضنا التي عسُرَ علينا علاجها وخرجت عن طاقتنا، وأن يجعلنا عباده الراضين بقضائه وقدره، المتوكّلين عليه في كل حال مع الأخذ بالأسباب التي تحقق لنا تلك الغاية!

 

 

 

  https://www.siyerinebi.com/tr/prof-dr-soner-duman/hastaliklarla-imtihanimiz# :انقر على رابط الترجمة التركية للمقال

 

 

Yeni yorum ekle

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.