(القرآن الكريم (رد على شبهات

براء هاشم - 

أمام كلّ ذي مجد وصدق ومبدأ في هذه الحياة، أعداء يتربصون به ويسعون في الحطّ من قدره بشتى الوسائل، حتى ولو كانت تلك الوسائل تافهةً فاضحةً تُفشي للسامعين جهلَ الزاعم وعوارَ ذلك الحسودِ النَّاقم.

وإن صاحب المجد الأسبق والسؤدد المطلق هو سيدنا رسول الله   الذي بعثه الله رحمة للعالمين من غير كسب منه ولا اختيار، فلم يَرُق لبعض المكابرين هذا الاصطفاءُ من ربّ العزة فراح يَخبِطُ خبْطَ عشواء، يبحث عن ثغرة ينال بها من ديننا وقرآننا ونبينا، ولكن هيْهاتَ هيْهاتَ أن يتحقّق مرادهم، فالله من ورائهم محيط.

ومن جملة تلك الأطروحات المضحكة العارية عن حقائق تستر عوارها، قول بعضهم: "إن محمدا جاء بالقرآن من نفسه من غير أن يوحى إليه، بقصد التكسب والاغتناء وجلب الأتباع لخدمته وتسييده". 

هكذا قالوا، وليتهم عرفوا قدر عقولهم فسكتوا وسلّموا، ولم يفضحوا جهلهم بمثل هذه التّفاهات التي تدلّ وصفين اثنين للقائل بها لا ثالث لهما، محض جهل المتكلم، أو سوء حال المتألّم.

وأيّا كان حالهم، فلنشرع في بيان الصدق وإظهار الحق مستعينين بالله وحده ومستمدين من محبتنا لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم التي لن نحيد عنها ما بَقيَت الروح فينا.

تعالوا بنا نُلقِ نظرةً سريعة خاطفة على حال النبي قبل البعثة، ولْنرَ، هل كان فقيرا فيحتاجَ إلى ما يسُدُّ فقره وفاقته؟، أم هل كان وضيعاً في قومه فيحتاجَ إلى ما يعلو به شانُه و مرتبته؟ 

الجواب الذي لا يماري فيه اثنان قرءا تاريخَ وسيرةَ هذا الرجل العظيم، هو: لا.

إذ أنّ محمدا كان من أشرف قومه وأعلاهم  مكانة ورتبة، بل يُشارُ إليه بالبنان في شرفه وصدقه وأمانته في كلّ مكة، فهل يحتاج مَن هذا شأنه أن يُتعِبَ نفسه في السعي وراء عزة قد نالها أساسا، أو شرفٍ قد حَظِيَ به أوّلاً؟

ثم هب أنه أراد ذلك، ألم يكُن الألْيَق به أن يترك هذه الدعوة بعد ما واجه من الصدّ والاستهزاء والتكذيب من قومه، إنه لو أراد جاها زائدا على جاهه لما ردّ عرض أكابر قريش إذ عرضوا عليه الملك والمال والنساء قائلين لعمه أبي طالب:  إن كان يريد ملكاً ملكناه، وإن كان يريد زوجة زوجناه أجمل فتاة، وإن كان مطبوباً -أي: مسحوراً- عالجناه. لو كان يريد غنىً لما أجابهم بما أجابهم به إذ قال : (والذي نفسي بيده لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه).

إن الطريق الذي سلكه حضرة المختار في دعوته هو نقيض الذي يرمونه به، فهو سلك مسلك الاستغناء عن الخلق، للغنى بالخالق، وترك السؤدد الذي سوّده به قومه فنال السؤدد المطلق عند الله

فجزاه الله عنا أحسن الجزاء.

أمّا بالنسبة للمال فإن سيدنا محمداً قبل أن يوحى إليه بخمس عشرة سنة كان قد تزوج بأُمّنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أغنى نساء مكة، فلم يكُن ينقصه أيُّ شيء حتى يتكلّف ذاك العناء في سبيل دعوةٍ تشغله عما كان فيه من راحة وهناءٍ في المعيشة.

ثم تعال معي أيها القارئ وانظر حال رسول الله بعد النبوّة كيف أنه جعل من القرآن ودعوته مطية توصله إلى الثّراء الذي كان يبحث عنه (حاشاه )، روى الإمام مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير قال: سمعت عمر بن الخطاب يخطب فذكر ما فتح على الناس فقال : «لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَوِي يَوْمَهُ مِنَ الْجُوعِ مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ».

وروى أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويًا هو وأهله، لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز شعير

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أين هذا الثراء والغنى الذي جناه سيدنا رسول الله من دعوته؟، لا يجد ما يملأ بطنه الشريف، ولا ما يُشبعُ أهله، بل تُعرَضُ عليه بطحاء مكة أن تكون له ذهباً فيأبى بأبي وأمي، دون أن يلتفت قلبه لها طرفة عين.

أبعد هذا يطيب لإنسان ذي مروءةٍ أن يرتاب في صدق زهد هذا النبي الكريم ؟

في الختام، لم أقصد من خلال هذه السطور أن أردّ على هذه الشّبهة فقط، فهي شبهة أضعفُ من أن يُلقى لها بالاً، لكنّ فرط المحبة ولهيب الشوق هما اللذان يَحدوانِ بالمحبين للبحث عن أيّ مناسبة وفرصة يبوحون فيها عن شيء مما في قلوبهم من الهيام والفناء في خدمة هذا الحبيب .

وما أحوجنا اليوم إلى ذكر هذه السيرة العطرة، وجعلها منهجا لنا نسير على ما سار صاحبها من البذل والعطاء والصبر والتضحية.

اللهم شرّفنا وأهّلنا لخدمة سيدنا محمد في الدنيا والآخرة، إنك جواد كريم، آمين آمين آمين.

 

Yeni yorum ekle

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.